الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد
.تفسير الآية رقم (32): {بِأَفْوَاهِهِمْ} {الكافرون} (32)- يُرِيدُ الكُفَّارُ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ، وَهُوَ دِينُ الإِسْلامِ الذِي شَرَعَهُ لِهِدَايَةِ عِبَادِهِ، وَأَنْ يُخْفُوا مَابَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ بِهِ، مِنَ الدَّعْوَةِ إلَى التَّوْحِيدِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ جِدَالِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ، فَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُطْفِئَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، أَوْ نُورَ القَمَرِ، بِنَفْخَةٍ مِنْ فَمِهِ. وَبِمَا أَنَّ هَذَا لا سَبِيلَ إِلَيْهِ، كَذَلِكَ لا سَبِيل إِلَى إِخْفَاءِ نُورِ النُّبُوَّةِ، وَلا بُدَّ لِمَا أَرْسَلَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ أَنْ يَتمَّ وَيَظْهَرَ، وَاللهُ يَأْبَى إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ذَلِكَ. الكُفْرُ- سَتْرُ الشَّيءِ وَتَغْطِيَتُهُ. .تفسير الآية رقم (33): (33)- اللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي ارْسَلَ رَسُولَهُ مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ هُوَ القُرْآنُ، كَفِلَ حِفْظَهُ حَتَّى آخِرِ الزَّمَانِ، فِيهِ الهُدَى وَدِينُ الحَقِّ، وَسَيُظْهِرُهُ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الأَدْيَانِ السَّابِقَةِ، لأَنَّهُ هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ الذِي جَاءَ بِالدَّعْوَةِ الصَّحِيحَةِ (التِي جَاءَتْ بِهَا جَمِيعُ الأَدْيَانِ السَّابِقَةِ) وَهِيَ دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ وَالإِيمانُ بِاللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، فَبَدَّلَ النَّاسُ، وَحَرَّفُوا فِيها، فَجَاءَ الإِسْلامُ لِتَصْحِيحِ ذَلِكَ، وَلِيُعِيدَ لِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ صَفَاءَهَا وَأَصَالَتَهَا وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ. يُظْهِرَهُ- يُعْلِيهِ حَتَّى يَظْهَرَ وَيَغْلِبَ. .تفسير الآية رقم (34): {ياأيها} {آمَنُواْ} {أَمْوَالَ} {بالباطل} (34)- يُحَذِّرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ، وَعُبَّادِ الضَّلالَةِ، وَيَقُولُ: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، بِصُوَرٍ وَطَرَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ، وَيَسْتَغِلُّونَ رِئَاسَتَهُمُ الدِّينِيَّةَ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ، وَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ اسْتَمَرُّوا عَلَى ضَلالِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، طَمَعاً فِي أَنْ تَبْقَى لَهُمْ تِلْكَ الرِئَاسَاتُ، وَأَخَذُوا يَصُدُّونَ النَّاسَ وَيَصْرِفُونَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الإِسْلامِ، وَهُوَ دِينُ الحَقِّ، وَيُلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ، وَيُمَوِّهُونَ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ مِنَ الجَهَلَةِ أَنَّهُمْ إِنَّما يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُمْ لَوُ أَقَرُّوا بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ، وَصِحَّةِ دِينِهِ، لَتَوَجَّبَ عَلَيْهِمْ مُتَابعَتُهُ، فَيبْطُلُ حُكْمُهُمْ، وَتَزُولُ مَكَانَتُهُم، وَتَنْقَطِعُ مَوَارِدُهُمْ، وَمَصَادِرُ رِزْقِهِم العَرِيضَةُ. وَفِي الحَقِيقَةِ إِنَّهُمْ دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ، وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى مَنْ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةِ (أَيْ يُكَدِّسُونَ الأَمْوَالَ)، وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَفِي الجِهَادِ لِنُصْرَةِ دِينِ اللهِ، وَفِي الإِحْسَانِ إِلَى عِبَادِهِ وَمَصَالِحِهِمْ، وَيُبَشِّرهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. .تفسير الآية رقم (35): (35)- قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: المَقْصُودُ بِالكَنْزِ هُوَ المَالُ الَّذِي لا تُؤدَّى زَكَاتُهُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَيُّ مَالٍ أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ، فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُوناً فِي الأَرْضِ، وَأَيُّ مَالٍ لَمْ تُؤدَّ زَكَاتَهُ هُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ المَالَ الذِي لَمْ تُؤدَّ زَكَاتُهُ سَيُحْمَى عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَتُكْوَى بِهِ جِبَاهُ أَصْحَابِهِ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ، وَسَيُقَالُ لَهُمْ تَبْكِيتاً وَتَقْرِيعاً: هَذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَلَمْ تُؤَدُّوا مِنْهُ حَقَّ اللهِ، وَهَذَا مَا حَبَّأْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا طَعْمَهُ الآنَ عَذَاباً أَلِيماً. .تفسير الآية رقم (36): {كِتَابِ} {السماوات} {وَقَاتِلُواْ} {يُقَاتِلُونَكُمْ} (36)- خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: «أَلا إِنَّ الزَمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (أَيْ فرَضَ اللهُ احْتِرَامَهَا، وَحَرَّمَ فِيهَا القِتَالَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ)، ثَلاثَةٌ مُتَتَالِيَاتٍ: ذو القعدةِ وذو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَر بَيْنَ جُمادى وَشَعْبَانَ» وَذَلِكَ هُوَ الشَّرْعُ الصَّحِيحُ، الذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَشْهُرِ الحُرُمِ مِنْ أَحْكَامٍ، فَلا تَظْلِمُوا فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ أَنْفُسَكُمْ بِارْتِكَابِكُمُ المَعَاصِي لأنَّ الإِثْمَ فِيهَا يَتَضَاعَفُ، كَمَا أَنَّ المَعَاصِي فِي البَلَدِ الحَرَامِ يَتَضَاعَفُ فِيهَا الإِثْمُ. وَالعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ وَفِي البَلَدِ الحَرَامِ أَعْظَمُ ثَوَاباً عِنْدَ اللهِ. (وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى- لا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ- هُوَ لا تَجْعَلُوا حَرَامَ هَذِهِ الأَشْهُرِ حَلالاً، وَلا حَلالَها حَرَاماً، كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الشِّرْكِ، وَقَاتَلُوا المُشْرِكِينَ جَمِيعُكُمْ كَافَّةً، وَكُونُوا يَداً وَاحِدَةً فِي دَفْعِ عُدْوَانِهِمْ، وَكَفِّ أَذَاهُمْ، لأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً لِهَدْمِ دِينِكُمْ، وَالقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَإٍطْفَاءِ نُورِ اللهِ، فَأَنْتُمْ أَجْدَرُ بِالاتِّحَادِ لِدَفْعِ العُدْوَانِ، وَجَعْلِ كَلِمَةِ اللهِ هِيَ العُلْيَا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ، يَنْصُرُهُمْ وَيَمُدُّهُمْ بِعَوْنِهِ وَجُنْدِهِ). (وَقِيلَ إِنَّ آيَةَ تَحْرِيمِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ قَدْ نُسِخَتْ، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ ذِي القِعْدَةِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ اللهَ أَمَرَ بِقِتَالِ المُشْرِكِينَ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ، وَقَالَ: فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ. وَدَلِيلُ السِّيَاقِ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ أَمْراً عَاماً). الأَشْهُرُ الحُرُمُ- ذُو القِعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَب. الدِّينُ القَيِّمُ- الدِّينُ المُسْتَقِيمُ دِينُ إِبْرَاهِيمَ. .تفسير الآية رقم (37): {اء أَعْمَالِهِمْ} {الكافرين} (37)- النَّسِيءُ لُغَةً هُوَ التَّأْخِيرُ، وَالنِّسِيءُ هُنَا يُقْصَدُ بِهِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، إِذْ يُحِلُّونَ أَحَدَ الأَشْهُرِالحُرُمِ، فَيُقَاتِلُونَ فِيهِ، ثُمَّ يَتَّفِقُونَ عَلَى جَعْلِ أَحَدِ أَشْهُرِ الحِلِّ مُحَرَّماً مَكَانَهُ ذَلِكَ العَامَ، لِيَجْعَلُوا عِدَّةَ الشُهُورِ الحُرُمِ أَرْبَعَةً كَمَا أَمَرَ اللهُ. وَيَذُمُّ اللهُ تَعَالَى المُشْرِكِينَ لِتَصَرُّفِهِمْ بِشَرْعِ اللهِ بِحَسَبِ أَهْوَائِهِمْ، وَبِآرَائِهِم الفَاسِدَةِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَمَا أَمَرَ اللهُ، وَلا بَأْسَ عِنْدَهُمْ فِي تَأْخِيرِ التَّحْرِيمِ أَوْ تَقْدِيمِهِ، فَالمُهِمُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيهِمْ أَنْ تَكُونَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ أَرْبَعَةً فِي السَّنَةِ، لا تَخْصِيصَ أَشْهرٍ بِعَيْنِهَا تَقَرَّرَتْ حُرْمَتُهَا، وَإِذْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ، وَقَدْ حَسَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ المُضِّلُّ عَمَلَهُمُ السَّيِّئَ هَذا بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ البَاطِلَةِ، إِذِ اكْتَفَوْا بِالعَدَدِ، وَلَمْ يُدْرِكُوا حِكْمَةَ التَّخْصِيصِ. وَاللهُ تَعَالَى لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ إِلَى الحَقِّ وَالْهُدَى. النَّسِيءُ- تَأْخِيرُ حُرْمَةِ شَهْرٍ إِلَى شَهْرٍ آخَرَ. لِيُواطِئُوا- لِيُوافِقُوا. .تفسير الآية رقم (38): {ياأيها} {آمَنُواْ} {بالحياة} {الآخرة} {الحياة} (38)- يُعَاتِبُ اللهُ تَعَالَى مَنْ تَخَلَّفَ، مِنَ المُؤْمِنِينَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلالُ، وَكَانَ الْوَقْتُ حَارّاً قَائِظاً، فَيَقُولُ تَعَالَى لَهُمْ: مَا لَكُمْ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ إِذَا دُعِيْتُمْ إِلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَكَاسَلْتُمْ وَتَبَاطَأْتُمْ، وَمِلْتُمْ إِلَى الدَّعَةِ وَالإِقَامَةِ فِي الظِّلِ وَطِيبِ الثِّمَارِ؟ أَفَعَلْتُمْ ذَلِكَ رِضاً مِنْكُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَدَلاً مِنَ الآخِرَةِ؟ وَمَا قِيمَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا مَتَاعُهَا إِلا قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الآخِرَةِ، إِذْ يَنْتَظِرُونَ المُؤْمِنِينَ رِضْوانٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَجَنَّاتٌ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. انْفِرُوا- اخْرُجُوا إِلَى الجِهَادِ. اثَّاقَلْتُمْ- تَبَاطَأْتُمْ وَأَخْلَدْتُمْ إِلَى الرَّاحَةِ. .تفسير الآية رقم (39): (39)- وَإِذَا لَمْ تَنْفِرُوا مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ تَخْرُجُوا مَعَهُ إِلَى الجِهَادِ فَإِنَّ اللهَ سَيُعَذِّبُكُمْ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا، بِزَوَالِ النِّعْمَةِ وَغَيْرِهَا عَنْكُمْ، وَفِي الآخِرَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلا يَصْعُبُ عَلَى اللهِ أَنٍ يَسْتَبْدِلَ قَوْماً غَيْرَكُمْ بِكُمْ، يَخِفُّونَ لِنُصْرَةِ نَبِيِّهِ، وَيُجَاهِدُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَضُرُّ اللهَ، لأَنَّهُ الغَنِيُّ عَنِ العِبَادِ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. .تفسير الآية رقم (40): {لِصَاحِبِهِ} (40)- يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ إِذَا لَمْ تَنْصُرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ اللهَ نَاصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ وَكَافِيهِ، كَمَا تَوَلَّى نَصْرَهُ حِينَ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَكَّةَ حِينَ هَاجِرَ، فَخَرَجَ مِنْهَا هَارِباً بِصُحْبَةِ صَدِيقِهِ وَصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَجَأَ إلَى غَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي آثَارِهِمَا حَتَّى وَقَفُوا بِبَابِ الغَارِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ جَزِعاً: لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ لَرَآنَا. فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ طُمَأْنِينَتَهُ وَتَأْيِيدَهُ وَنَصْرَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَأَيَّدَهُ بِالمَلائِكَةِ تَحْفَظَهُ وَتَحْمِيهِ (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا)، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الشِّرْكِ وَأَهْلَهُ السُّفْلَى، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الإِيمَانِ (لا إِلهَ إِلا اللهُ) هِيَ الْعُلْيَا، وَاللهُ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ وَانْتِصَارِهِ، وَهُوَ مَنِيعُ الْجَانِبِ لا يُضَامُ، وَهُوَ حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ. الغَارِ- غَارِ جَبَلٍ ثورٍ قُرْبَ مَكَّةَ. لِصَاحِبِهِ- لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. .تفسير الآية رقم (41): {وَجَاهِدُواْ} {بِأَمْوَالِكُمْ} (41)- أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ، وَالْخُرُوجِ جَمِيعاً مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَاهُمْ إِلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَلْزَمَهُمْ بِالخُرُوجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، فَقَالَ انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً، وَأَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، وَرُكْبَاناً وَمُشَاةً وَأَقْوِيَاءَ وَضُعَفَاءَ، لأَنَّ فِي ذَلِكَ خَيْرُ المُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا، لأَنَّهُ لا عِزَّ لِلأُمَمِ، وَلا سِيَادَةَ إِلا بِالْقُوَّةِ الحَرْبِيَّةِ، وَفِيهِ أَيْضاً خَيْرُهُمْ فِي الدِّينِ لأَنَّهُ لا سَعَادَةَ لِمَنْ لَمْ يَنْصُرِ الحَقَّ، وَيُقِمِ العَدْلَ بِاتِّبَاعِ الْهُدَى وَالعَمَلِ بِشَرْعِ اللهِ. وَقَدْ نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلا على المرضى وَلا عَلَى الذين لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ.} .تفسير الآية رقم (42): {لَكَاذِبُونَ} (42)- يُوَبِّخُ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، مُعْتَذِرِينَ بِأَنَّهُمْ ذَوُو أَعْذَارٍ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي الحَقِيقَةِ كَذَلِكَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ الأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِغَنِيمَةٍ قَرِيبَةٍ (عَرَضاً قَرِيباً)، أَوْ سَفَرٍ قَرِيبٍ لا مَشَقَّةَ فِيهِ (سَفَراً قَاصِداً) لاتَّبَعُوا رَسُولَ اللهِ، وَلَكِنَّ المَسَافَةَ بَيْنَ الشَّامِ وَالمَدِينَةِ (الشُّقَّةُ) قَدْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ. وَيُخْبِرُ اللهُ نَبيَّهُ أَنَّهُمْ سَيَحْلِفُونَ لَهُ بِاللهِ، بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الغَزْوَةِ، أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْذَارُ تَمْنَعُهُمْ مِنَ الخُرُوجِ مَعَهُ لَخَرَجُوا، وَسَيُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالأَيْمَانِ وَالأَعْذَارِ لِيُرْضُوهُ، إِذْ أَنَّهُمْ بِهَذا النِّفَاقِ وَالكَذِبِ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِي حَلْفِهِمْ، وَفِي قَوْلِهِمْ: (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) وَلَنْ يَرْضَى اللهُ عَنْهُمْ. عَرَضاً قَرِيباً- مَغْنَماً سَهْلاً. سَفَراً قَاصِداً- مُتَوَسِّطاً بَيْنَ القَرِيبِ وَالبَعِيدِ. الشُّقَّةُ- المَسَافَةُ التِي تُقْطَعُ بِمَشَقَّةٍ.
|