فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}.
والصفا والمروة جبلان صغيران، يعرفهما الذين زاروا الأماكن المقدسة، والذين لم يذهبوا؛ اسأل الله أن يروهما عين اليقين، وحين يرونها يكون هذا علم اليقين. وهذان الجبلان كانت سيدتنا هاجر أم إسماعيل قد ترددت بينهما لتطلب الماء لولدها بعد أن تركهما إبراهيم عليه السلام عند بيت الله الحرام. وبالله عليك، فبماذا تفكر امرأة عندما يتركها زوجها مع رضيعها في مكان لا طعام فيه ولا ماء؟ هنا قالت هاجر قولتها الشهيرة: إلى من تكلنا؟ الله أمرك بذلك؟
فقال سيدنا إبراهيم: نعم. فقالت: إذن لن يضيعنا، لقد استغنت بالخالق عن المخلوق، ولم تنطق مثل هذا القول إلا بوحي من المسبب، وهذه أول قضية إيمانية مع ملاحظة الأرضية الإيمانية التي وجدت عليها، حينما دعا إبراهيم عليه السلام ربه قائلا: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} من الآية 37 سورة إبراهيم.
وإذا قرأت {غير ذي زرع} فاعلم أنه غير ذي ماء، فحيث يوجد الماء؛ يوجد الزرع، فالماء هو الأصل الأصيل في استبقاء الحياة، وعندما يغيب الماء عن أم ووليدها، فماذا يكون حالهما؟ لقد عطش ولدها وأرادت أن تبحث عن نبع ماء أو طير ينزل في مكان لتعلم أن فيه ماء، أو ترى قافلة تسير ومعها ماء؛ لذلك خرجت إلى أعلى مكان وتركت الوادي، وصعدت إلى أعلى جبل الصفا فلم تجد شيئا، فنظرت إلى الجهة الأخرى؛ إلى المروة، وصعدت عليها فلم تجد شيئا. وظلت تتردد بين الصفا والمروة سبعة أشواط. ولنا أن نتصور حالتها، امرأة في مثل سنها، وفي مثل وحدتها، وفي مثل عدم وجود ماء عندها، ولابد أنها عطشت كما عطش وليدها، وعندما بلغ منها الجهد، انتهت محاولاتها، وعادت إلى حيث يوجد الوليد.
ولو أن سعيها بين الصفا والمروة أجدى، فرأت ماء لقلنا: إن السعي وحده قد جاء لها بالماء، لكنها هي التي قالت من قبل: «إذن لن يضيعنا»، وهي بهذا القول قد ارتبطت بالمسبب لا بالسبب، فلو أنه أعطاها بالسبب المباشر وهو بحثها عن الماء لما كان عندها حجة على صدقها في قولها: «إذن لن يضيعنا».
ويريد الحق أن ينتهي سعيها سبع مرات بلا نتيجة، وتعود إلى وليدها؛ فتجد الماء عند قدم الوليد. وهكذا صدقت هاجر في يقينها، عندما وثقت أن الله لن يضيعها، وأراد الله أن يقول لها: نعلم لن أضيعك، وليس بسعيك؛ ولكن بقدم طفلك الرضيع؛ يضرب بها الأرض، فينبع منها الماء. وضرب الوليد للأرض بقدمه سبب غير فاعل في العادة، لكن الله أراده سببا حتى يستبقى السببية ولو لم تؤد إلى الغرض.
وحين وجدت هاجر الماء عند قدم رضيعها أيقنت حقا أن الله لم يضيعها. وظل السعي شعيرة من شعائر الحج إلى بيت الله الحرام، استدامة لإيمان المرء بالمسبب وعدم إهماله للسبب، وحتى يقبل الإنسان على كل عمل وهو يؤمن بالمسبب. ولذلك يجب أن نفرق بين لتوكل والتواكل. إن التوكل عمل قلب وليس عمل جوارح، والتوكل تعطيل جوارح. ليس في الإسلام تواكل، إنما الجوارح تعمل والقول تتوكل. هكذا كان توكل هاجر، لقد عملت وتوكلت على الله؛ فرزقها الله بما تريد بأهون الأسباب، وهي ضربة قدم الوليد للأرض، وبقيت تلك المسألة شعيرة من شعائر الحج وهي سبعة أشواط بين الصفا والمروة. وعندما غفل الناس عن عبادة الله، ودخلت عبادة الأصنام في الجزيرة العربية أوجدوا على جبل الصفا صنما أسموه إسافا وعلى المروة صنما أسموه نائلة. وكانوا يترددون بين إساف ونائلة، لا بين الصفا والمروة، لقد نقلوا العبادة من خالصية التوحيد إلى شائبية الوثنية.
فلما جاء الإسلام أراد الله ألا يوجه المسلمين في صلاتهم إلى البيت المحرم إلا بعد أن يطهر البيت ويجعله خالصا لله، فلما ذهب بعض المؤمنين إلى الكعبة تحرجوا أن يسعوا بين الصفا والمروة؛ لأن إسافا ونائلة فوق الجبلين، فكأنهم أرادوا أن يقطعوا كل صلتهم بعادات الجاهلية، واستكبر إيمانهم أن يترددوا بين إساف ونائلة، فأنزل الله قوله الحق: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهم ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}، أي لا تتحرجوا في هذا الأمر لأنكم ستسعون بين الصفا والمرة؛ لا بين إساف ونائلة كما كان يفعل المشركون الوثنيون، إذن فالعمل هنا كان بالنية.
لقد كانت نية السعي الأولى عند هاجر هي الإيمان بالله والأخذ بالأسباب، لكن الوثنية قلبت قمة الإيمان إلى حضيض الكفر، وكان لابد أن يستعيد المسلمون نية الإيمان الأولى عند زيارة البيت المحرم بالسعي بين الصفا والمروة، فنحن في الإسلام نرضخ لأمر الآمر، قال لنا: «قبلوا الحجر الأسود»، وفي الوقت نفسه أمرنا أن نرجم الحجر الذي يرمز إلى إبليس، هكذا تكون العبرة بالنية؛ وليس بشكل العمل، وتكون العبرة في إطاعة أمر الله. وكأن الحق بهذه الآية يقول للمؤمنين: إن المشركين عبدوا إسافا ونائلة، لكن أنتم اطرحوا المسألة من بالكم واذهبوا إلى الصفا والمروة، فالصفا والمروة من شعائر الله، وليستا من شعائر الوثنية، ولكن ضلال المشركين هو الذي خلع عليهما الوثنية في إساف وفي نائلة.
لقد أراد الوثنيون بوضع إساف على الصفا ونائلة على المروة أن يأخذوا صفة التقديس للأوثان، فلولا أن الصفا والمروة من المقدسات سابقا لما وضعوا عليهما أحجارهم ولما جاءوا بأصنامهم ليضعوها على الكعبة، هذا دليل على أن قداسة هذه الأماكن أسبق من أصنامهم، لقد حموا وثنيتهم بوضع إساف ونائلة على الصفا والمروة. وبعد أن بين الحق للمؤمنين أن الصفا والمروة من شعائر الله، ينبه على أن المكين- ساكن المكان- لا ينجس المكان، بدليل أن الإيمان عندما كتبت له الغلبة، كسر الأصنام وأزالها من الكعبة وأصبح البيت طاهرا، وعندما كان المؤمنون يتحرجون عن أن يفعلوا فعلا من أفعال الجاهلية طمأنهم الحق سبحانه وتعالى، وقال لهم: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}.
وكلمة صفا معناها الحجر الأملس، وأصبح كذلك من كثرة الملامسين له على مر الزمان، وقيل: إن الصفا منسوبة إلى اصطفاء آدم، وقيل: إن المروة منسوبة إلى المرأة التي هي حواء، لكنه كلام يقال لا نتوقف عنده كثيرا، لأنه علم لا ينفع وجهل لا يضر، فالمهم بالنسبة لنا أنه مكان ترددت بينه هاجر وهي تطلب الماء لابنها، إن الحق جعل السعي بينهما من شعائر الله، والشعائر هي معالم العبادة، وتطلق دائما على المعالم المكانية، ويقال: هذا مطاف، وهذا مسعى، وهذا مرمى الجمرات، وهذا المشعر الحرام. إن كلمة المشعر تعني المكان الذي له عبادة مخصوصة، وبما أن الصفا والمروة مكانان فقد جاء وصفهما بأنهما {من شعائر الله}.
{فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} كأن الحج والعمرة لهما شيء يجعلهما في مقام الفرضية ولهما شيء آخر يجعلهما في مقام التطوع، فإن أدى المسلم الحج والعمرة مرة يكون قد أدى الفرض، وهذا لا يمنع من أن تكرار الحج والعمرة هو تطوع مقبول بإذن الله، له شكر من الله.
وساعة نقول: لا جناح عليك أن تفعل كذا فمعنى ذلك أنك إن فعلت فلا إثم عليك، لكن ليس خطأ في أن تفعلن وهذا ما جعل بعض الناس يقولون: إن السعي بين الصفا والمروة ليس ركنا من أركان الحج، ونقول لهؤلاء: هذه آية جاءت لسبب، وهو أنهم كانوا يتحرجون من الطواف في مكان يطوف فيه المشركون فقال لهم: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما}.
إن نفي الجناح لا يعني أنك إن لم تفعل يصح، لا، إنه سبحانه يرد على حالة كانوا يتحرجون منها، وقوله تعالى: {يطوف بهما} يستدعي منا وقفة، إن الحاج أو المعتمر يسعى بين الصفا والمروة، فلماذا وصف الحق هذا السعي ب {يطوف بهما}؟
لكي نعرف ذلك لابد أن نوضح معنى طاف وجال ودار. إن طاف تعني دار حول الشيء، فما هي الدورة التي بين الصفا والمروة؛ حتى يسميها الحق طوافا؟. إن الدائر حول الدائرة يبدأ من أي نقطة منها كبداية، لتكون تلك النقطة نهاية، فكل طواف حول دائرة تجد فيه أن كل بداية فيها تعتبر نهاية، وكل نهاية تعتبر بداية، وأي حركة من وإلى شيء واحد يصنع دائرة. وصحيح أن من يسعى بين الصفا والمروة لا يدور، ولكنه سيذهب من الصفا إلى المروة ثم ينقلب عائدا إلى الصفا، ثم منها إلى المروة، وهكذا يصير الأمر طوافا. ومثال آخر من حياتنا اليومية، إن الشرطي الذي يطوف لحراسة الشوارع والمنازل بالليل، قد يلف المدينة كلها، ويمكن أن يلف شارعًا واحدًا هو مكان حراسته، هذا الدوران في الشارع من أوله إلى آخره عدة مرات يسمى طوافا بينهما، وهكذا نفهم معنى {يطوف بهما}، أي يمشي بينهما عدة مرات من بداية إلى نهاية.
وهكذا نجد أن السعي بين الصفا والمروة هو جزء من شعائر الحج والعمرة. ونجد أن الفرضية في الحج والعمرة أساسية، والتطوع بتكرار الحج والعمرة هو خير.
{ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} وهذا القول يقتضي أن الشاكر أصابته نعمة من المشكور، فما الذي أصاب الحق هنا من تكرار الحج؟. إن المؤمن عندما يؤدي ما افترضه الله عليه فهو يؤدي الفرض، لكن عندما يزيد بالتطوع حبا في النسك ذاته فهذه زيادة يشكره الله عليها، إذن فالشكر من الله عز وجل يفيد أن نعمة ستجيء، والحق سبحانه وتعالى حين يفترض على عبدا كذا من الفروض يلتزم العبد بذلك، فإذا زاد العبد من جنس ما افترضه الله عليه، فقد دل ذلك على حبه وعشقه للتكليف من الله، وإذا ما أحب وعشق التكليف من الله بدون أن يطلبه الله منه ويلزمه به بل حببه إليه، فهو يستحق أن يشكره الله عليه، وشكر الله للعبد هو عطاء بلا نهاية.
ويقول الحق من بعد ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}.
أخرج مالك في الموطأ وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف معًا وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن عائشة أن عروة قال لها: أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} فما أرى على أحد جناحًا أن يطوّف بهما؟ فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أوّلتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية، فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية. قالت عائشة: ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وابن السكن والبيهقي عن أنس. أنه سئل عن الصفا والمروة قال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما جاء الإِسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدمنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدمنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كانت الشياطين في الجاهلية تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة، فكانت فيها آلهة لهم أصنام، فلما جاء الإِسلام قال المسلمون: يا رسول الله ألا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شيء كنا نصنعه في الجاهلية؟ فأنزل الله: {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} يقول: ليس عليه اثم ولكن له أجر.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قالت الأنصار: إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية، فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن حبيش قال: سألت ابن عمر عن قوله: {إن الصفا والمروة} الآية. فقال: انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد. فأتيته فسألته فقال: إنه كان عندهما أصنام، فلما أسلموا امسكوا عن الطواف بينهما حتى أنزلت {إن الصفا والمروة} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية. وذلك أن ناسًا تحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فأخبر الله أنهما من شعائره الطواف بينهما أحب إليه، فمضت السنة بالطواف بينهما.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عامر الشعبي قال: كان وثن بالصفا يدعى أساف ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين وليس الطواف بهما من الشعائر! فأنزل الله: {إن الصفا والمروة} الآية. فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه، وأُنِّثَتْ المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثًا.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: قالت الأنصار إنما السعي بين هذين الحجرين من عمل أهل الجاهلية، فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} قال: من الخير الذي أخبرتكم عنه فلم يحرج من لم يطف بهما {ومن تطوّع خيرًا فهو خير له} فتطوّع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من السنن، فكان عطاء يقول: يبدل مكانه سبعين بالكعبة إن شاء.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: كان ناس من أهل تهامة في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة، فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} وكان من سنة إبراهيم وإسمعيل الطواف بينهما.
وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية، ومناة صنم بين مكة والمدينة. قالوا: يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما؟ فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية. قال عروة: فقلت لعائشة: ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة! قال الله: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} فقالت: يا ابن أختي ألا ترى أنه يقول: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فقال: هذا العلم.
قال أبو بكر: ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون: لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، وأن الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما؟ فأنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية كلها. قال أبو بكر: فاسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، فيمن طاف وفيمن لمن يطف.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وابن ماجه وابن جرير عن عائشة قالت: لعمري ما أتم الله حج من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته، ولأن الله قال: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}.
وأخرج عبد بن حميد ومسلم عن أنس قال: كانت الأنصار يكرهون السعي بين الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} فالطواف بينهما تطوّع.
وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن الأنباري عن ابن عباس. أنه كان يقرأ {فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال: في مصحف ابن مسعود {فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما}.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن حماد قال: وجدت في مصحف أبي {فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما}.
وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد. أنه كان يقرأ {فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما}.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس. أنه قرأ {فلا جناح عليه أن يطوّف} مثقلة، فمن ترك فلا بأس.
وأخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه عن ابن عباس. أنه أتاه رجل فقال: أبدأ بالصفا قبل المروة، وأصلي قبل أن أطوف، أو أطوف قبل. وأحلق قبل أن أذبح، أو أذبح قبل أن أحلق؟ فقال ابن عباس: خذوا ذلك من كتاب الله فإنه أجدر أن يحفظ، قال الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} فالصفا قبل المروة، وقال: {لا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله} [البقرة: 196] فالذبح قبل الحلق. وقال: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} [الحج: 26] والطواف قبل الصلاة.
وأخرج وكيع عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس لم بدئ بالصفا قبل المروة؟ قال: لأن الله قال: إن الصفا والمروة من شعائر الله.
وأخرج مسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في سننه عن جابر قال: لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصفا في حجته قال: «{إن الصفا والمروة من شعائر الله}، ابدأوا بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه».
وأخرج الشافعي وابن سعد وأحمد وابن المنذر وابن قانع والبيهقي عن حبيبة بنت أبي بحران قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره، وهو يقول: «اسعوا فإن الله عز وجل كتب عليكم السعي».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا».
وأخرج وكيع عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: سألت ابن عباس عن السعي بين الصفا والمروة قال: فعله إبراهيم عليه السلام.
وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وإن ذلك سنة، قال: «صدقوا أن إبراهيم لما أمر بالمناسك اعترض عليه الشيطان عند المسعى، فسابقه فسبقه إبراهيم».
وأخرج الحاكم عن ابن عباس. أنه رآهم يطوفون بين الصفا والمروة فقال: هذا مما أورثتكم أم إسمعيل.
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن سعيد بن جبير قال: أقبل إبراهيم ومعه هاجر وإسمعيل عليهم السلام، فوضعهم عند البيت فقالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: فعطش الصبي فنظرت فإذا أقرب الجبال إليها الصفا، فسعت فرقت عليه، فنظرت فلم تر شيئًا، ثم نظرت فإذا أقرب الجبال إليها المروة، فنظرت فلم تر شيئًا، قال: فهي أول من سعى بين الصفا والمروة، ثم أقبلت فسمعت حفيفًا أمامها قال: قد أسمع فإن يكن عندك غياث فهلم، فإذا جبريل أمامها يركض زمزم بعقبه فنبع الماء، فجاءت بشيء لها تقري فيه الماء فقال لها: تخافين العطش؟ هذا بلد ضيفان الله لا تخافون العطش.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لاقامة ذكر الله لا لغيره».
وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال: السنة في الطواف بين الصفا والمروة أن ينزل من الصفا، ثم يمشي حتى يأتي بطن المسيل، فإذا جاءه سعى حتى يظهر منه، ثم يمشي حتى يأتي المروة.
وأخرج الأزرقي من طريق مسروق عن ابن مسعود أنه خرج إلى الصفا فقام إلى صدع فيه فلبى فقلت له: إن ناسًا ينهون عن الإِهلال هاهنا قال: ولكني آمرك به هل تدري ما الإِهلال؟ إنما هي استجابة موسى لربه، فلما أتى الوادي رمل وقال: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم.
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن مسعود. أنه قام على الصدع الذي في الصفا وقال: هذا، والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
أما قوله تعالى: {ومن تطوّع خيرًا}.
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله {ومن تطوع بخير}.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر أنه كان يدعو على الصفا والمروة يكبر ثلاثًا، سبع مرات يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وكان يدعو بدعاء كثير حتى يبطئنا وإنا لشباب، وكان من دعائه: اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ويحب رسلك ويحب عبادك الصالحين، اللهم حببني إليك، وإلى ملائكتك، وإلى رسلك، وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسرني لليسرى، وجنبني للعسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من الأئمة المتقين ومن ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين. اللهم إنك قلت {ادعوني أستجب لكم}، وإنك لا تخلف الميعاد. اللهم إذ هديتني للإِسلام فلا تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى توفاني على الإِسلام وقد رضيت عني. اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسيء الفتن.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال: من قدم منكم حاجًا فليبدأ بالبيت فليطف به سبعًا، ثم ليصل ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم ليأت الصفا فليقم عليه مستقبل الكعبة، ثم ليكبر سبعًا بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس قال: ترفع الأيدي في سبعة مواطن: إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وفي عرفات، وفي جمع، وعند الجمرات.
وأخرج الشافعي في الأم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ترفع الأيدي في الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعلى عرفات وبجمع، وعند الجمرتين، وعلى الميت».
أما قوله تعالى: {فإن الله شاكر عليم}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: لا شيء أشكر من الله، ولا أجزي بخير من الله عز وجل. اهـ.