فصل: مسألة: الخلاف في تحديد يوم عاشوراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤالان:

.السؤال الأول: إن فلق البحر في الدلالة على وجود الصانع القادر وفي الدلالة على صدق موسى كالأمر الضروري، فكيف يجوز فعله في زمان التكليف؟

والجواب: أما على قولنا فظاهر، وأما المعتزلة فقد أجاب الكعبي الجواب الكلي بأن في المكلفين من يبعد عن الفطنة والذكاء ويختص بالبلادة وعامة بني إسرائيل كانوا كذلك، فاحتاجوا في التنبيه إلى معاينة الآيات العظام كفلق البحر ورفع الطور وإحياء الموتى، ألا ترى أنهم بعد ذلك مروا بقوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا: {يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} وأما العرب فحالهم بخلاف ذلك، لأنهم كانوا في نهاية الكمال في العقول، فلا جرم، اقتصر الله تعالى معهم على الدلائل الدقيقة والمعجزات اللطيفة.

.السؤال الثاني: إن فرعون لما شاهد فلق البحر وكان عاقلًا فلابد وأن يعلم أن ذلك ما كان من فعله بل لابد من قادر عالم مخالف لسائر القادرين، فكيف بقي على الكفر مع ذلك؟

فإن قلت: إنه كان عارفًا بربه إلا أنه كان كافرًا على سبيل العناد والجحود.
قلت: فإذا عرف ذلك بقلبه فكيف استخار توريط نفسه في المهلكة ودخول البحر مع أنه كان في تلك الساعة كالمضطر إلى العلم بوجود الصانع وصدق موسى عليه السلام؟
والجواب: حب الشيء يعمي ويصم فحبه الجاه والتلبيس حمله على اقتحام تلك المهلكة. اهـ.

.قال الفخر:

وأما قوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} ففيه وجوه:
أحدها: أنكم ترون التطام أمواج البحر بفرعون وقومه.
وثانيها: أن قوم موسى عليه السلام سألوه أن يريهم الله تعالى حالهم فسأل موسى عليه السلام ربه أن يريهم إياهم فلفظهم البحر ألف ألف ومائتي ألف نفس وفرعون معهم، فنظروا إليهم طافين وإن البحر لم يقبل واحدًا منهم لشؤم كفرهم فهو قوله تعالى: {فاليوم نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً} [يونس: 92] أي نخرجك من مضيق البحر إلى سعة الفضاء ليراك الناس، وتكون عبرة لهم.
وثالثها: أن المراد وأنتم بالقرب منهم حيث توجهونهم وتقابلونهم وإن كانوا لا يرونهم بأبصارهم، قال الفراء وهو مثل قولك: لقد ضربتك وأهلك ينظرون إليك فما أغاثوك تقول ذلك إذا قرب أهله منه وإن كانوا لا يرونه ومعناه راجع إلى العلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} جملة في موضع الحال، ومعناه بأبصاركم؛ فيقال إن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم يغرقون، وإلى أنفسهم ينجون؛ ففي هذا أعظم المِنّة.
وقد قيل: إنهم أخرجوا لهم حتى رأوهم.
فهذه مِنّة بعد مِنّة.
وقيل: المعنى {وأنتم تنظرون} أي ببصائركم الاعتبار؛ لأنهم كانوا في شغل عن الوقوف والنظر بالأبصار.
وقيل: المعنى وأنتم بحال من ينظر لو نظر؛ كما تقول: هذا الأمر منك بمرأى ومسمع؛ أي بحال تراه وتسمعه إن شئت.
وهذا القول والأوّل أشبه بأحوال بني إسرائيل لتوالي عدم الاعتبار فيما صدر من بني إسرائيل بعد خروجهم من البحر؛ وذلك أن الله تعالى لما أنجاهم وغرّق عدوّهم قالوا: يا موسى إن قلوبنا لا تطمئن، إن فرعون قد غَرِق! حتى أمر الله البحر فلفَظَه فنظروا إليه.
ذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن قيس بن عُبَاد: أن بني إسرائيل قالت: ما مات فرعون وما كان ليموت أبدًا! قال: فلما أن سمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام، رمى به على ساحل البحر كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل؛ فلما أطمأنوا وبُعثوا من طريق البر إلى مدائن فرعون حتى نقلوا كنوزه وغرِقوا في النعمة، رأوا قومًا يَعكُفون على أصنام لهم؛ قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة؛ حتى زجرهم موسى وقال: أغير الله أبغيكم إلها وهو فضّلكم على العالمين؛ أي عالمي زمانه.
ثم أمرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدّسة التي كانت مساكن آبائهم ويتطهروا من أرض فرعون.
وكانت الأرض المقدّسة في أيدي الجبارين قد غُلبوا عليها فاحتاجوا إلى دفعهم عنها بالقتال؛ فقالوا: أتريد أن تجعلنا لُحْمة للجبارين! فلو أنك تركتنا في يد فرعون كان خيرًا لنا.
قال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 21] إلى قوله: {قَاعِدُون} حتى دعا عليهم وسمّاهم فاسقين.
فبقوا في التِّيه أربعين سنة عقوبة ثم رحمهم فمنّ عليهم بالسّلْوَى وبالغمام على ما يأتي بيانه، ثم سار موسى إلى طُورِ سَيْناء ليجيئهم بالتوراة؛ فاتخذوا العجل على ما يأتي شأنه، ثم قيل لهم: قد وصلتم إلى بيت المقدس فادخلوا الباب سُجّدًا وقولوا حِطّة على ما يأتي، وكان موسى عليه السلام شديد الحياء سِتّيرًا؛ فقالوا: إنه آدر.
فلما اغتسل وضع على الحجر ثوبه؛ فعدا الحجر بثوبه إلى مجالس بني إسرائيل، وموسى على أثره عُريان وهو يقول: يا حجر ثوبي! فذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} [الأحزاب: 69] على ما يأتي بيانه، ثم لما مات هارون قالوا له: أنت قتلت هارون وحسدته؛ حتى نزلت الملائكة بسريره وهارون ميت عليه وسيأتي في المائدة، ثم سألوه أن يعلَموا آية في قبول قربانهم؛ فجعلت نار تجيء من السماء فتقبل قربانهم؛ ثم سألوه أنْ بيّن لنا كفارات ذنوبنا في الدنيا، فكان من أذنب ذنبًا أصبح على بابه مكتوب: عملت كذا، وكفارته قطع عضو من أعضائك يسمّيه له؛ ومن أصابه بول لم يطهر حتى يَقرِضه ويزيل جلدته من بدنه؛ ثم بدّلوا التوراة وافتروا على الله وكتبوا بأيديهم واشتروا به عَرَضًا؛ ثم صار أمرهم إلى أن قتلوا أنبياءهم ورسلهم.
فهذه معاملتهم مع ربّهم وسيرتهم في دينهم وسوء أخلاقهم.
وسيأتي بيان كل فصل من هذه الفصول مستوفًى في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقال الطبري: وفي أخبار القرآن على لسان محمد عليه السلام بهذه المغيّبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في حق بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل قائم عليهم بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} جملة حالية وفيها تجوز أي وآباؤكم ينظرون، والمفعول محذوف أي جميع ما مر فإن أريد الأحكام فالنظر بمعنى العلم وعليه ابن عباس رضي الله تعالى عنه وإن نفس الأفعال من الغرق والإنجاء.
والإغراق فهو بمعنى المشاهدة وعليه الجمهور والحال على هذا من الفاعل وهو معمول بجميع الأفعال السابقة على التنازع، وفائدته: تقرير النعمة عليهم كأنه قيل: وأنتم لا تشكون فيها، وجوز أن يقدر المفعول خاصًا أي غرقهم، وإطباق البحر عليهم فالحال متعلق بالقريب، وهو {أَغْرَقْنَا} وفائدته: تتميم النعمة فإن هلاك العدو نعمة؛ ومشاهدته نعمة أخرى، وفي قصص الكسائي أن بني إسرائيل حين عبروا البحر وقفوا ينظرون إلى البحر وجنود فرعون، ويتأملون كيف يفعلون، أو انفلاق البحر فيكون الحال متعلقًا بالأصل في الذكر، وهو {فَرَقْنَا} وفائدته: إحضار النعمة ليتعجبوا من عظم شأنها، ويتعرفوا إعجازها، أو ذلك الآل الغريق فالحال من مفعول {أَغْرَقْنَا} متعلق به والفائدة: تحقيق الإغراق وتثبيته، وقيل: المراد ينظر بعضكم بعضًا وأنتم سائرون في البحر، وذلك أنه نقل أن بعض قوم موسى قالوا له: أي أصحابنا؟ فقال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم.
قالوا: لا نرضى حتى نراهم فأوحى الله تعالى أن قل بعصاك هكذا فقال بها على الحيطان فصار بها كوى فتراأوا وسمعوا كلام بعضهم بعضًا فالحال متعلق بفرقنا وفائدته: تتميم النعمة فإن كونهم مستأنسين يرى بعضهم حال بعض آخر نعمة أخرى، وبعض الناس يجعل الفعل على هذا الوجه منزلًا منزلة اللازم وليس بالبعيد، نعم البعيد جعل النظر هنا مجازًا عن القرب أي وأنتم بالقرب منهم أي بحال لو نظرتم إليهم لرأيتموهم كقولهم أنت مني بمرأى ومسمع أي قريب مني بحيث أراك وأسمعك، وكذا جعله بمعنى الاعتبار أي وأنتم تعتبرون بمصرعهم وتتعظون بمواقع النقمة التي أرسلت عليهم.
هذا وقد حكوا في كيفية خروج بني إسرائيل وتعنتهم وهم في البحر، وفي كيفية خروج فرعون بجنوده، وفي مقدار الطائفتين حكايات مطولة جدًا لم يدل القرآن ولا الحديث الصحيح عليها والله تعالى أعلم بشأنها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله: {وأنتم تنظرون} جملة حالية من الفاعل وهو ضمير الجلالة في {فرقنا} و{أنجينا} و{أغرقنا} مقيدة للعوامل الثلاثة على سبيل التنازع فيها، ولا يتصور في التنازع في الحال إضمار في الثاني على تقدير إعمال الأول لأن الجملة لا تضمر كما لا يضمر في التنازع في الظرف نحو سكن وقرأ عندك ولعل هذا مما يوجب إعمال الأول وهذا الحال زيادة في تقرير النعمة وتعظيمها فإن مشاهدة المنعم عليه للنعمة لذة عظيمة لاسيما ومشاهدة إغراق العدو أيضًا نعمة زائدة كما أن مشاهدة فرق البحر نعمة عظيمة لما فيها من مشاهدة معجزة تزيدهم إيمانًا وحادث لا تتأتى مشاهدته لأحد.
ويجوز أن تكون الجملة حالًا من المفعول وهو آل فرعون أي تنظرونهم، ومفعول {تنظرون} محذوف ولا يستقيم جعله منزلًا منزلة اللازم.
وإسناد النظر إليهم باعتبار أن أسلافهم كانوا ناظرين ذلك لأن النعمة على السلف نعمة على الأبناء لا محالة فضمير الخطاب مجاز. اهـ.
ذكر الله تعالى الإنجاء والإغراق، ولم يذكر اليوم الذي كان ذلك فيه:

.قال القرطبي:

فروى مسلم عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه» فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغَرّق فرعونَ وقومه، فصامه موسى شكرًا؛ فنحن نصومه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
وأخرجه البخاري أيضًا عن ابن عباس، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «أنتم أحق بموسى منهم فصوموا».

.مسألة: صوم عاشوراء:

ظاهر هذه الأحاديث تدل على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما صام عاشوراء وأمر بصيامه اقتداء بموسى عليه السلام على ما أخبره به اليهود.
وليس كذلك؛ لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية؛ فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه؛ فلما فُرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه» أخرجه البخاريّ ومسلم.
فإن قيل: يحتمل أن تكون قريش إنما صامتة بإخبار اليهود لها لأنهم كانوا يسمعون منهم؛ لأنهم كانوا عندهم أهل علم؛ فصامه النبيّ عليه السلام كذلك في الجاهلية، أي بمكة؛ فلما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه قال: «نحن أحقّ وأولى بموسى منكم» فصامه اتباعا لموسى.
وأمر بصيامه أي أوجبه وأكّد أمره، حتى كانوا يصومونه الصغار.
قلنا: هذه شبهة من قال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لعلّه كان متعبدًا بشريعة موسى؛ وليس كذلك، على ما يأتي بيانه في الأنعام عند قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90].

.مسألة: الخلاف في تحديد يوم عاشوراء:

اختلِف في يوم عاشوراء؛ هل هو التاسع من المحرّم أو العاشر؟ فذهب الشافعيّ إلى أنه التاسع؛ لحديث الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوَسِّد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء؛ فقال: إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصْبِحْ يوم التاسع صائمًا.
قلت: هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال نعم. خرّجه مسلم.
وذهب سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وجماعة من السلف إلى أنه العاشر.
وذكر الترمذي حديث الحَكَم ولم يصفه بصحة ولا حسن.
ثم أردفه: أنبأنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح.
قال الترمذيّ: وروى عن ابن عباس أنه قال: صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود.
وبهذا الحديث يقول الشافعيّ وأحمد بن حنبل وإسحاق.
قال غيره: وقول ابن عباس للسائل: «فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا» ليس فيه دليل على ترك صوم العاشر، بل وعد أن يصوم التاسع مضافًا إلى العاشر.
قالوا: فصيام اليومين جَمْع بين الأحاديث.
وقول ابن عباس للحَكَم لما قال له: هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم.
معناه أن لو عاش؛ وإلا فما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم صام التاسع قطّ.
يبيِّنه ما خرّجه ابن ماجه في سُننه ومسلم في صحيحه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بَقِيت إلى قابلٍ لأصومّن اليوم التاسع».

.فضيلة يوم عاشوراء:

روى أبو قتادة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السَّنة التي قبله» أخرجه مسلم والترمذيّ، وقال: لا نعلم في شيء من الروايات أنه قال: «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة» إلا في حديث أبي قتادة. اهـ.

.قال السمرقندي:

وكان في قصة فرعون وغيره علامة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعرف ذلك إلا بالوحي، فلما أخبرهم بذلك من غير أن يقرأ كتابًا، كان ذلك دليلًا أنه قاله بالوحي، وفيه أيضًا تهديد للكفار ليؤمنوا حتى لا يصيبهم مثل ما أصاب أولئك، وفيه أيضًا تنبيه للمؤمنين وعظة لهم ليزجرهم ذلك عن المعاصي. اهـ.