الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وإذا رأوا أشعث منتفش الشعر قالوا: كأنه وجه شيطان، وكأن رأسه رأس شيطان، وهذه بخلاف الملك، يشبهون به الصورة الحسنة.وكما شبه امرؤ القيس المسنونة الزرق بأنياب الغول في قوله:
وإن كان لم يشاهد تلك الأنياب، وهذا كله تشبيه تخييلي.والضمير في منها يعود على الشجرة، أي من طلعها.وقرأ الجمهور: {لشوبًا} بفتح الشين؛ وشيبان النحوي: بضمها.وقال الزجاج: الفتح للمصدر والضم للاسم، يعني أنه فعل بمعنى مفعول، أي مشوب، كالنقص بمعنى المنقوص.وفسر بالخلط والحميم الماء السخن جدًا، وقيل: يراد به هنا شرابهم الذي هو طينة الخبال صديدهم وما ساح منهم.ولما ذكر أنهم يملأُون بطونهم من شجرة الزقوم للجوع الذي يلحقهم، أو لإكراههم على الأكل وملء البطون زيادة في عذابهم، ذكر ما يسقون لغلبة العطش، وهو ما يمزج لهم من الحميم.ولما كان الأكل يعتقبه ملء البطن، كان العطف بالفاء في قوله: {فمالئون}.ولما كان الشرب يكثر تراخيه عن الأكل، أتي بلفظ ثم المقتضية المهلة، أو لما امتلأت بطونهم من ثمرة الشجرة، وهو حار، أحرق بطونهم وعطشهم، فأخر سقيهم زمانًا ليزدادوا بالعطش عذابًا إلى عذابهم، ثم سقوا ما هو أحر وآلم وأكره.{ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} لما ذهب بهم من منازلهم التي أسكنوها في النار إلى شجرة الزقوم للأكل والتملؤ منها والسقي من الحميم ونواحي رجوعهم إلى منازلهم، دخلت ثم لدلالة على ذلك، والرجوع دليل على الانتقال في وقت الأكل والشرب إلى مكان غير مكانهما، ثم ذكر تعالى حالهم في تقليد آبائهم.والضمير لقريش وأن ذلك التقليد كان سببًا لاستحقاقهم تلك الشدائد، أي وجدوا آباءهم ضالين، فاتبعوهم على ضلالتهم، مسرعين في ذلك لا يثبطهم شيء.ثم أخبر بضلال أكثر من تقدم من الأمم، هذا وما خلت أزمانهم من إرسال الرسل، وإنذارهم عواقب التكذيب.وفي قوله: {فانظر} ما يقتضي إهلاكهم وسوء عاقبتهم، واستثنى المخلصين من عباده، وهم الأقل المقابل لقوله: {أكثر الأولين} والمعنى: إلا عباد الله، فإنهم نجوا.ولما ذكر ضلال الأولين، وذكر أولهم شهرة، وهم قوم نوح، عليه السلام، تضمن أشياء منها: الدعاء على قومه، وسؤاله النجاة، وطلب النصرة.وأجابه تعالى في كل ذلك إجابة بلغ بها مراده.واللام في {فلنعم} جواب قسم كقوله: والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: فلنعم المجيبون نحن، وجاء بصيغة الجمع للعظمة والكبرياء لقوله: {فقدرنا فنعم القادرون} و{الكرب العظيم} قال السدي: الغرق، ومنه تكذيب الكفرة وركوب الماء، وهوله، وهم فصل متعين للفصيلة لا يحتمل غيره.قال ابن عباس، وقتادة: أهل الأرض كلهم من ذرية نوح.وفي الحديث: «أنه عليه السلام قرأ {وجعلنا ذريتهم هم الباقين} فقال: سام وحام ويافث» وقال الطبري: العرب من أولاد سام، والسودان من أولاد حام، والترك وغيرهم من أولاد يافث.وقالت فرقة: أبقى الله ذرية نوح ومد في نسله، وليس الناس منحصرين في نسله، بل في الأمم من لا يرجع إليه.{وتركنا عليه في الآخرين} أي في الباقين غابر الدهر؛ ومفعول تركنا محذوف تقديره ثناء حسنًا جميلًا في آخر الدهر، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وسلام.رفع بالابتداء مستأنف، سلم الله عليه ليقتدي بذلك البشر، فلا يذكره أحد من العالمين بسوء.سلم تعالى عليه جزاء على ما صبر طويلًا، من أقوال الكفرة وإذايتهم له.وقال الزمخشري: {وتركنا عليه في الآخرين} هذه الكلمة، وهي {سلام على نوح في العالمين} يعني: يسلمون عليه تسليمًا، ويدعون له، وهو الكلام المحكي، كقولك: قرأت سورة أنزلناها. انتهى.وهذا قول الفراء وغيره من الكوفيين، وهذا هو المتروك عليه، وكأنه قال: وتركنا على نوح تسليمًا يسلم به عليه إلى يوم القيامة. انتهى.وفي قراءة عبد الله: {سلامًا} بالنصب، ومعنى في العالمين: ثبوت هذه التحية مثبوتة فيهم جميعًا، مدامة عليه في الملائكة، والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم.ثم علل هذه التحية بأنه كان محسنًا، ثم علل إحسانه بكونه مؤمنًا، فدل على جلاله الإيمان ومحله عند الله.{ثم أغرقنا الآخرين} أي من كان مكذبًا له من قومه، لما ذكر تحياته ونجاة أهله، إذ كانوا مؤمنين، ذكر هلاك غيرهم بالغرق. اهـ. .قال السمرقندي في الآيات السابقة: قوله تبارك وتعالى: {والصافات صَفَّا}.قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {والصافات صَفَّا} قال: أقسم الله تعالى بصفوف الملائكة الذين في السموات، كصفوف المؤمنين في الصلاة.ويقال: يعني: صفوف الغزاة في الحرب، كقوله عز وجل: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون في سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بنيان مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4] ويقال: بصفوف الأمم يوم القيامة لقوله عز وجل: {وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} [الكهف: 48] ويقال: صف الطيور بين السماء والأرض صافات بأجنحتها لقوله: {وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} [النور: 41] ويقال: صفوف الجماعات في المساجد.وفي الآية بيان فضل الصفوف، حيث أقسم الله بهن.ثم قال عز وجل: {فالزجرات زَجْرًا} يعني: الملائكة الذين يزجرون السحاب، ويؤلفونه، ويسوقونه إلى البلد الذي لا مطر بها.ويقال: {فالزجرات} يعني: فالدافعات وهم الملائكة الذين يدفعون الشر عن بني آدم، موكلون بذلك.ويقال: {الزاجرات} يعني: ما زجر الله تعالى في القرآن بقوله: {يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130] {وَءَاتُواْ اليتامى أموالهم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب وَلاَ تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2] ويقال: هي التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وما كان من عند الله من كتب.ويقال: {صَفَّا فالزجرات زَجْرًا} يعني: هم الأنبياء، والرسل، والعلماء، يزجرون الناس عن المعاصي، والمناهي، والمناكر {فالتاليات ذِكْرًا} يعني: الملائكة وهو جبريل يتلو القرآن على الأنبياء.ويقال: هم المؤمنون الذين يقرؤون القرآن.ويقال: {فالتاليات ذِكْرًا} قال: هم الصبيان يتلون في الكتاب من الغدوة إلى العشية.كان الله تعالى يحول العذاب عن الخلق، ما دامت تصعد هذه الأربعة إلى السماء.أولها أذان المؤذنين، والثاني تكبير المجاهدين، والثالث تلبية الملبين، والرابع صوت الصبيان في الكتاب.وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: {والصافات صَفَّا} قال: الملائكة {فالزجرات زَجْرًا} قال: الملائكة {فالتاليات ذِكْرًا} قال: الملائكة وهكذا قال مجاهد: قد أقسم الله بهذه الأشياء {إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} ويقال: أقسم بنفسه فكأنه يقول: وخالق هذه الأشياء {إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} يعني: ربكم، وخالقكم، ورازقكم، لواحد.{رَب السموات} يعني: الذي خلق السموات {والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} من خلق {وَرَبُّ المشارق} يعني: مشرق كل يوم.وقال في آية أخرى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الاولين} [الرحمن: 17] أي: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف.وقال في هذه السورة {رَبّ المشارق} أي: مشرق كل يوم.ثم قال: {إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا} يعني: الأدنى.وإنما سميت الدنيا لأنها أقرب إلى الأرض {بِزِينَةٍ الكواكب} أي: بضوء الكواكب.قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص {بِزِينَةٍ} بالتنوين {الكواكب} بالكسر بغير تنوين، بكسر الباء.وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {بِزِينَةٍ} بالتنوين {الكواكب} بالنصب، والباقون {بِزِينَةٍ} بالكسر بغير تنوين {الكواكب} بكسر الباء.فمن قرأ {بِزِينَةٍ الكواكب} بالكسر جعل الكواكب بدلًا من الزينة.والمعنى: إنّا زينا السماء الدنيا بالكواكب.ومن قرأ بالنصب، أقام الزينة مقام التزيين.فكأنه قال: إنّا زينا السماء الدنيا بتزيننا الكواكب، فيكون الكواكب على معنى التفسير.ومن قرأ بغير تنوين، فهو على إضافة الزينة إلى الكواكب.وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الكواكب معلقة بالسماء، كالقناديل.ويقال: إنها مركبة عليها، كما تكون في الصناديق والأبواب.ثم قال: {وَحِفْظًا مّن كُلّ شيطان مَّارِدٍ} يعني: حفظ الله تعالى السماء بالكواكب من كل شيطان متمرد.يعني: شديد يقال: مرد يمرد إذا اشتد.ثم قال: {لاَ يَسْمَعُونَ} قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم، في رواية حفص: {لاَ يَسْمَعُونَ} بنصب السين والتشديد.والباقون: {يَسْمَعُونَ} بنصب الياء، وجزم السين، مع التخفيف.فمن قرأ: بجزم السين فهو بمعنى يسمعون.ومن قرأ بالتشديد فأصله يتسمعون، فأدغمت التاء في السين، وشددت.يعني: لكيلا يستمعون {إلى الملإ الاعلى} يعني: إلى الكتبة {وَيَقْذِفُونَ} يعني: يرمون {مِن كُلّ جَانِبٍ دُحُورًا} يعني: طردًا من كل ناحية من السماء، وكانوا من قبل يستمعون إلى كلام الملائكة عليهم السلام قال: حدّثنا الخليل بن أحمد قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن علي بن الحسن، عن ابن عباس قال: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ في نَفَرٍ من أصحابه، إذ رمي بنجم فاستنار فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا كُنْتُمْ تَقَولُونَ لِمِثْلِ هذا فِي الجَاهِلِيَّةِ» قالوا: يموت عظيم، أو يولد عظيم فقال عليه السلام: «إنَّهُ لا يُرْمَى لِمَوْتِ أحَدٍ، وَلا لِحيَاتِهِ ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ إِذا قَضَى أمْرًا يُسَبِّحُهُ حَمْلَةُ الْعَرْشِ، وَأَهْل السَّمَاءِ السَّابِعَةِ. يَقُولُ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيَخْبِرُونَهُمْ فَيَسْتَخْبِرَ أهْلَ كُلِّ سَمَاءٍ أهْلَ السَّمَاءِ الأُخْرَى، حَتَّى يَنْتَهِي الخَبَرُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَتَخطَفُ الجِنُّ، وَيَرْمُونَ فِيمَا جَاؤُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَهُوَ حَقٌّ. ولكنهم يَزِيدُونَ فِيهِ وَيَكْذِبُونَ» قال معمر: قلت للزهري: أو كان يرمى به في الجاهلية.قال: نعم.قال: قالت الجن لرسول الله صلى الله عليه وسلم.{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مقاعد لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الان يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [الجن: 9] قال: غلظ وشدد أمرها، حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: {دُحُورًا} يعني طردًا بالشهب فيعيدونهم {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} يعني: دائم.يعني: الشياطين لمن استمع، ولمن لم يستمع في الآخرة.وقال مقاتل: في الآية تقديم {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ} من الشياطين {الخطفة} يختطف يعني: يستمع إلى الملأ الأعلى من كلام الملائكة عليهم السلام {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} والشهاب في اللغة كل أبيض ذي نور، والثاقب المضيء، {فاستفتهم} يعني: سل أهل مكة.وهذا سؤال تقدير لا سؤال استفهام.وقال تعالى: {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} بالبعث {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} يعني: ما خلقنا من السموات، وما ذكر من المشارق والمغارب.ويقال: {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} بالبعث.يعني: بعثهم أشد {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} يعني: أم خلقهم في الابتداء.ثم ذكر خلقهم في الابتداء فقال: {إِنَّا خلقناهم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ} يعني: خلقنا آدم وهم من نسله من طين حمئة.ويقال: {لاَّزِبٍ} أي: لاصق.ويقال: {لاَّزِبٍ} يعني: لازم.إِلاَّ أن الباء تبدل من الميم، لقرب مخرجهما، كما يقال سمد رأسه، وسبد إذا استأصله، واللازب واللاصق واحد.ثم قال: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ} قرأ حمزة والكسائي: {عَجِبْتَ} بضم التاء.وقرأ الباقون بالنصب.فمن قرأ بالنصب، فالمعنى بل عجبت يا محمد من نزول الوحي عليك، والكافرون يسخرون، مكذبين لك.ومن قرأ {بَلْ عَجِبْتَ} بالضم، فهو إخبار عن الله تعالى.وقد أنكر قوم هذه القراءة، وقالوا: إن الله تعالى لا يعجب من شيء، لأنه علم الأشياء قبل كونها، وإنما يتعجب من سمع أو رأى شيئًا لم يسمعه، ولم يره، ولكن الجواب أن يقال: العجب من الله عز وجل بخلاف العجب من الآدميين.ويكون على وجه التعجب، ويكون على وجه الإنكار والاستعظام لذلك القول.كما قال في آية أخرى {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الاغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} [الرعد: 5] وروى الأعمش عن سفيان بن سلمة أن شريحًا كان يقرأ {بَلْ عَجِبْتَ} بالنصب.
|