الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
.219- قتل: 1- التعريف:القَتْلُ في اللغة: فعل يحصل به زهوق الروح يقال: قتله قتلا: أزهق روحه، وقتله إذا أماته بضرب أو جرح أو علة. قال الخليل: والقَتْلُ معروف، يقالُ: قَتَلَه إذا أماتَه بضَرْبٍ أو جَرْحٍ أو عِلّةٍ. وفي لسان العرب يقال: قتله بضرب أو حجر أو سم: أماته. وفي الاصطلاح: هو فعل ما يكون سببا لزهوق النفس وهو مفارقة الروح البدن. 2- أنواع القتل: القتل نوعان هما: الأول- قتل مباح: وهو القتل بحق، كقتل القاتل قصاصا، والقتل الواجب نتيجة ارتكاب حد من حدود الله. الثاني- قتل محرم: وهو قتل النفس المعصومة عمدا وعدوانا، وهذا النوع هو الذي يعد جناية، وهو الذي سنتحدت عنه، إن شاء الله تعالى. 3- حكم قتل النفس بغير حق: قتل النفس التي حرم الله قتلها من أكبر الكبائر بعد الكفر بالله، لأنه اعتداء على صنع الله، واعتداء على الجماعة والمجتمع وهو محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: (وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.أما الكتاب فقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} [الإسراء 33]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً} [النساء آية 92] وقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء 93]. وأما السنة، فروى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث; الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة». متفق عليه. وروى عثمان، وعائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، في آي وأخبار سوى هذه كثيرة. ولا خلاف بين الأمة في تحريمه، فإن فعله إنسان متعمدا فسق، وأمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، وتوبته مقبولة في قول أكثر أهل العلم؛ وقال ابن عباس: إن توبته لا تقبل؛ للآية التي ذكرناها، وهي من آخر ما نزل؛ قال ابن عباس: ولم ينسخها شيء). 4- أقسام القتل: يرى جمهور الفقهاء أن قتل النفس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عمد، وشبه عمد، وخطأ؛ وبيان ذلك: *أولا- قتل العمد: وهو أن يقصد آدميا معصوما فيقتله بما يغلب على الظن موته به؛ وهذا النوع من القتل هو الموجب للقصاص. وذكر البهوتي أن هذا النوع من القتل له تسعة أقسام فقال: (قتل العمد الموجب للقصاص له تسعة أقسام عرفت بالاستقراء وهي: القسم الأول: أن يجرحه بمحدد له مَوْر، أي دخول وتردد في البدن بقطع اللحم والجلد كسكين وسيف ورمح وقدوم أو يغرزه بمِسلة، أو ما في معناه. القسم الثاني: أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سئل عن المرأة التي ضربت جاريتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وبدية المرأة على عاقلتها. والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أن القتل بعمود الفسطاط ليس بعمد وإن العمد يكون بما فوقه، أو يضربه بحجر كبير، أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو صخرة أو خشبة عظيمة، أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب عليه بخشبة صغيرة أو حجر صغير؛ لأن ذلك كله مما يقتل غالبا؛ أو يضربه بما ذكر من الخشبة الصغيرة أو الحجر الصغير مرة في مقتل ونحوه، أو يلكزه بيده في مقتل، أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر مفرط أو برد شديد ونحوه فمات فعليه القود؛ لأن ذلك الفعل يقتل غالبا. القسم الثالث: أن يجمع بينه وبين حيوان مفترس كالأسد أو نمر، أو يلقيه مكتوفا بمضيق، بحضرة حية أو عقرب، فتنهشه أو تلدغه، فإنه إذا تعمد ذلك فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا. القسم الرابع: أن يلقيه في ماء يغرقه أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص منهما، أي من الماء والنار، إما لكثرتهما أو لعجزه عن التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كان مربوطا أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها، أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا وسد منافذ البيت حتى اشتد الدخان وضاق به النفس أو دفنه حيا، أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك، فمات فعمد؛ لأن ذلك يقتل غالبا. القسم الخامس: خنقه بحبل أو غيره، وهو نوعان: أحدهما: أن يخنقه في عنقه ثم يعلقه في نحو خشبة فيموت فهو عمد؛ سواء مات في الحال أو بقي زمنا؛ لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين، الثاني: أن يخنقه وهو على الأرض أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات في مدة يموت في مثلها غالبا فعمد لأنه يقتل غالبا. القسم السادس: حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما، أو منعه الدفء في الشتاء ولياليه الباردة، حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا، بشرط أن يتعذر عليه الطلب فعمد؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عند ذلك فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل. القسم السابع: أن يسقيه سما لا يعلم المقتول به، أو خلطه بطعام ثم أطعمه إياه، فمات فعليه القود إن كان ذلك السم مثله يقتل غالبا؛ لما روي أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها النبي وبشير بن العلاء فلما مات بشير أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت فأمر بقتلها.رواه أبو داود. القسم الثامن: أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا، إذا كان الساحر يعلم ذلك أشبه ما لو قتله بمحدد، وإن قال الساحر لا أعلمه قاتلا لم يقبل قوله؛ لأنه خلاف الظاهر، فهو أي السحر كسم حكما أي في حكمه السابق. القسم التاسع: أن يشهد اثنان فأكثر على شخص بما يوجب القتل، فيقتل بشهادتهم، ثم يرجعوا ويعترفوا بتعمد الشهادة كذبا، لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي على رجل أنه سرق فقطعه، ثم رجعا عن شهادتهما؛ فقال علي: «لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما»؛ ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا أشبه به المكره؛ وكذلك الحاكم إذا حكم على شخص بالقتل عالما بكذب البينة، متعمدا فقتل واعترف الحاكم بذلك، فعليه القصاص؛ لأنه في معنى الشهود، فكان الحاصل بسببه عمدا كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين). * ثانيا- قتل شبه عمد: قال ابن قدامة رحمه الله: (شبه العمد أحد أقسام القتل، وهو أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا؛ إما لقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له، فيسرف فيه، كالضرب بالسوط، والعصا، والحجر الصغير، والوكز واليد، وسائر ما لا يقتل غالبا إذا قتل، فهو شبه عمد؛ لأنه قصد الضرب دون القتل، ويسمى عمد الخطإ وخطأ العمد؛ لاجتماع العمد والخطإ فيه، فإنه عمد الفعل، وأخطأ في القتل، فهذا لا قود فيه؛ والدية على العاقلة، في قول أكثر أهل العلم). * ثالثا- قتل الخطأ: قال ابن قدامة: (الخطأ أن يفعل فعلا لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله، مثل أن يرمي صيدا أو هدفا، فيصيب إنسانا فيقتله؛ قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن القتل الخطأ، أن يرمي الرامي شيئا، فيصيب غيره، لا أعلمهم يختلفون فيه؛ هذا قول عمر بن عبد العزيز، وقتادة، والنخعي، والزهري، وابن شبرمة، والثوري، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي؛ فهذا الضرب من الخطإ تجب به الدية على العاقلة والكفارة في مال القاتل، بغير خلاف نعلمه؛ والأصل في وجوب الدية والكفارة، قول الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء 92]، وسواء كان المقتول مسلما أو كافرا له عهد؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء 92]؛ ولا قصاص في شيء من هذا؛ لأن الله تعالى أوجب به الدية، ولم يذكر قصاصا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ, والنسيان، وما استكرهوا عليه»؛ ولأنه لم يوجب القصاص في عمد الخطأ، ففي الخطأ أولى). 5- أركان القتل: يتضح مما سبق أن أركان القتل أربعة هي: الركن الأول: القاتل، وهو: الجاني الذي يقع منه الفعل. الركن الثاني: المقتول، وهو: المجني عليه، الذي يقع عليه الفعل؛ ويشترط فيه، أن يكون آدميا حيا، معصوم الدم. الركن الثالث: القصد الجنائي، وهو: أن يقصد الجاني قتل المجني عليه، وهذا الركن هو الذي يميز أنواع القتل الثلاثة السابقة عن بعضها، فإن تعمد الجاني الفعل قاصدا قتل المجني عليه، فهو قتل عمد، وإن تعمد الفعل بقصد العدوان دون قصد النتيجة، فهو شبه عمد، وإن تعمد الفعل ولم يقصد العدوان، ولا النتيجة فهو خطأ. الركن الرابع: حصول القتل، وهو: إزهاق الروح نتيجة الفعل. 6- التحقيق في جرائم القتل: يتطلب التحقق في جرائم القتل نوعا من الفطنة والدقة، وانتقاء الأسئلة، فهذا الهادي البشير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم، يرسم لنا منهجا واضحا في التحقيق في جرائم القتل وهو يناقش أحد المتهمين في قضية قتل، وذلك فيما رواه الإمام مسلم، عن سماك بن حرب: أن علقمة بن وائل حدثه: أن أباه حدثه قال: إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة، فقال: يا رسول الله لِلَّهِ هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقتلته؟» فقال:- أي المدعي- إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته، قال: «كيف قتلته؟» قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من شيء تؤديه عن نفسك؟» قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي، قال: «فترى قومك يشترونك؟». قال: أنا أهون على قومي من ذاك، فرمى إليه بنسعته، وقال: «دونك صاحبك»، فانطلق به الرجل، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قتله فهو مثله» فرجع، فقال: يا رسول الله لِلَّهِ إنه بلغني أنك قلت: إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟» قال: يا نبي الله لِلَّهِ- لعله قال- بلى: قال: «فإن ذاك كذاك»، قال: فرمى بنسعته وخلى سبيله. وقصة أخرى يتولى التحقيق فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين حقق مع النفر الثلاثة الذين اتهموا بقتل صاحبهم، فقد ذكر ابن القيم، رحمه الله تعالى هذه القصة فقال: (إن شابا شكا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفرا، فقال: إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر؛ فعادوا ولم يعد أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئا، وكان معه مال كثير، وترافعنا إلى شريح، فاستحلفهم وخلى سبيلهم، فدعا علي بالشرط، فوكل بكل رجل رجلين، وأوصاهم ألا يمكنوا بعضهم أن يدنو من بعض، ولا يدعوا أحدا يكلمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم؛ فقال: أخبرني عن أبي هذا الفتى: في أي يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزلتم؟ وكيف كان سيركم؟، وبأي علة مات؟ وكيف أصيب بماله؟، وسأله عمن غسله ودفنه؟، ومن تولى الصلاة عليه؟، وأين دفن؟ ونحو ذلك، والكاتب يكتب، ثم كبر علي، فكبر الحاضرون، والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنوا أن صاحبهم قد أقر عليهم؛ ثم دعا آخر بعد أن غيَّبَ الأول عن مجلسه، فسأله كما سأل صاحبه، ثم الآخر كذلك، حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد منهم يخبر بضد ما أخبر به صاحبه، ثم أمر برد الأول، فقال: يا عدو الله، قد عرفت غدرك وكذبك بما سمعت من أصحابك، وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق، ثم أمر به إلى السجن، وكبر، وكبر معه الحاضرون، فلما أبصر القوم الحال لم يشكوا أن صاحبهم أقر عليهم، فدعا آخر منهم، فهدده، فقال: يا أمير المؤمنين، والله لقد كنت كارها لما صنعوا، ثم دعا الجميع فأقروا بالقصة، واستدعي الذي في السجن، وقيل له: قد أقر أصحابك ولا ينجيك سوى الصدق، فأقر بمثل ما أقر به القوم، فأغرمهم المال، وأقاد منهم بالقتيل). |