الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
يريد لولا الحياء.{مَا نُنَزِّلُ الملائكة} قرأ أهل الكوفة: ننزل الملائكة بضم النون ورفع اللام، الملائكة نصباً، واختاره أبو عبيد.وقرأ الباقون: بفتح التاء ورفع اللام في الملائكة رفعها، واختاره أبو عبيد اعتباراً بقوله: {تَنَزَّلُ الملائكة والروح} [القدر: 4].{إِلاَّ بالحق} بالعذاب ولو نزلت {وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} القرآن {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من الباطل ومن الشياطين وغيرهم أن يزيدوا فيه وينقصوا منه ويبدلوا حرفاً، نظيره قوله: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] الآية.وقيل بأن الهاء في قوله له راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم يعني وإنا لمحمد لحافظون ممن أراده بسوء نظيره.{والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67].{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأولين} في الآية إضمار، مجازها ولقد أرسلنا من قبلك في شيع أُمم من الأولين.قاله ابن عباس وقتادة، وقال الحسن: فرق الأولين وواحدتها شيعة وهي الفرقة والطائفة من الناس {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} كما فعلوا بك يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} يعني كما أسلكنا الكفر والتكذيب والإستهزاء بالرسل في قلوب شيع الأولين كذلك نسلكه أي نجعله وندخله في قلوب مشركي قومك {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني حتى لا يؤمنوا بمحمد، وفي هذه الآية ردَّ على المعتزلة، فقال سلكه يسلكه سلكاً وسلوكاً وأسلكه إسلاكاً.قال عدي بن زيد: {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} وقائع الله لا من خلا من هكذا في الأُمم نخوف أهل مكة.{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} يعني ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لوما تأتينا بالملائكة {بَاباً مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم عياناً، لقالوا: إنما سكرت أبصارنا، هذا قول ابن عباس وأكثر العلماء.قال الحسن: هذا العروج راجع إلى بني آدم يعني فظل هؤلاء الكافرون يه يعرجون أي يصعدون ومنه المعراج {لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ} سدّت {أَبْصَارُنَا} قاله ابن عباس، وقال الحسن: سحرت.قتادة: أخذت.الكلبي: أغشيت وعميت.وكان أبو عمرو وأبو عبيدة يقولان: هو من سكر الشراب ومعناه قد عش أبصارنا السكر، المؤرخ: دير بنا.وقرأ مجاهد وابن كثير: سكرت بالتخفيف أي حبست ومنعت بالنظر كما سكر النهر ليحبس الماء {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} سحرنا محمد.
تبطل به عبادة الأوثان.قال: فقلت: ويحلك يا خطر إنك لتذكر أمراً عظيماً فماذا ترى لقومك؟فقال: بمحكم التنزيل غير اللبس.قال: فقلنا له: من هو وما اسمه وما مدته؟ قال: الحياة والعيش إنه لمن قريش ما في حكمه من طيش ولا في خلقه هيش، تكون في جيش وأي جيش من آل قحطان وآل أيش، والأيش الأخلاط من كل قوم، فقلنا له من أي البطون هو فقال: بطن إسماعيل ولد إبراهيم، فقلنا له بيّن لنا من أي قريش هو؟ قال: ثم قال: الله أكبر الله أكبر جاء الحق وأظهره وانقطع عن الإنس الخبر هذا هو البيان أخبرني به رأس الجان، ثم قال هذا وسكت وأُغمي عليه فما أفاق إلاّ بعد ثلاثة أيام فلما أفاق قال: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ثم مات.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوة وإنه ليحشر يوم القيامة أُمة وحده».{والأرض مَدَدْنَاهَا} بسطناها على رحبة الماء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} جبالا ثوابت {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا} أي في الأرض {مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} مقدر معلوم وقيل: بغى به في الجبال وهو جواهر من الفضة والذهب والحديد والنحاس وغيرها حتى الزرنيخ والكحل كل ذلك يوزن وزناً.قال ابن زيد هي الأشياء: التي توزن.{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} جمع معيشة {وَمَن لَّسْتُمْ} يعني ولمن لستم {لَهُ بِرَازِقِينَ} هي الدواب والأنعام.عن شعبة قال: قرأ علينا منصور: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} قال الوحش.قال أبو حسن: (من) في محل الخفض عطفاً على الكاف والميم في قوله: {لَكُمْ}.وقد يفعل العرب هذا كقول الشاعر: فعطف بالظاهر على المكنى و{من} في هذه الآية بمعنى: ما، كقوله: {فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ} [النور: 45] {وَإِن مِّن شَيْءٍ} وما من شيء من أرزاق الخلق {إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ} من السماء {إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} لكل أرض حد مقدر.قال ابن مسعود: وما من أرض أمطر من أرض، وما عام أمطر من عام ولكن الله يقسمه ويقدره في الأرض كيف يشاء عاماً هاهنا وعاماً هاهنا ثم قرأ هذه الآية.وروى إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عيينة في هذه الآية: ما من عام بأكثر مطراً من عام ولكن يُمطر قوم ويُحرم آخرون وربما كان في البحار والقفار قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث يقع وما ينبت.جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: «في العرش مثال كل شيء خلقه الله في البر والبحر. وهو تأويل قوله تعالى: وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه».
وقال الفراء: أراد ذات لقح. كقول العرب: رجل نابل ورامح وتامر.قال أبو عبيدة: أراد ملاقح جمع ملقحة كما في الحديث: «أعوذ بالله من كل لامّة» أي ملمّة.قال النابغة: أي منصب.قال زيد بن عمر: يبعث الله المبشرة فتقمّ الأرض قمّا، ثمّ يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثمّ يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثمّ يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، ثمّ تلا: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ}.وقال أبو بكر بن عياش: لا يقطر قطرة من السحاب إلاّ بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه: فالصبا تهيّجه، والدبور تلقحه، والجنوب تدرّه، والشمال تفرقه.ويروي أبو المهزم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الريح الجنوب من الجنة وهي الرياح اللواقح التي ذكر الله في كتابه وفيها منافع للناس».{فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أي جعلنا المطر لكم سقياً، ولو أراد أنزلناه ليشربه لقال: فسقيناكموه، وذلك أن العرب تقول: سقيت الرجل ماءً ولبناً وغيرهما ليشربه، إذا كان لسقيه، فإذا جعلوا له ماءً لشرب أرضه أو ماشيته قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا: أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة: قال المؤرخ: ما تنال الأيدي والدلاء فهو السقي ومالا تنال الأيدي والدلاء فهو الإسقاء.{وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} يعني المطر. قال سفيان: بما نعين.{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الوارثون} بأن نميت جميع الخلق فلا يبقى من سوانا، نظيره قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40].{وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين}.ابن عبّاس: أراد بالمستقدمين: الأموات، والمستأخرين: الأحياء.عكرمة: المستقدمين: من خلق، والمستأخرين: من لم يخلق، قد علم من خلق إلى اليوم وقد علم من هو خالقه بعد اليوم.قتادة: المستقدمون: من مضى، والمستأخرون: من بقي في أصلاب الرجال.الشعبي: من إستقدم في أول الخلق، ومن إستأخر في آخر الخلق.مجاهد: المستقدمون: القرون الأُولى، والمستأخرون: أُمة محمّد صلى الله عليه وسلم.الحسن: المستقدمون بالطاعة والخير، والمستأخرون المبطئون عن الطاعة والخير.وقيل: ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة، والمستأخرين فيها بسبب النساء.وروى أبو الجوزاء وابن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال: كانت النساء يخرجن إلى الجماعات فيقوم الرجال صفوفاً خلف النبي صلى الله عليه وسلم والنساء صفوفاً خلف صفوف الرجال، وربما كان في الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى الصف الأخير من صفوف الرجال، وربما كان في النساء من في قلبها ريبة فتتقدّم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال، وكانت إمرأة من أحسن الناس لا والله ما رأيت مثلها قط، تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان بعض الناس ويتقدّم في الصف الأوّل لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتّى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع وسجد نظر إليها من تحت يديه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أولها».وقال الربيع بن أنس: حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأوّل في الصلاة فأزدحم الناس عليه، وكانت بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد. فقالوا: نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد، فأنزل الله تعالى هذه الآية وفيهم نزلت: {إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الموتى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} [يس: 12].الأوزاعي: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ} يعني المصلين في أوّل الأوقات، {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين} يعني المؤخرين صلاتهم إلى آخر الأوقات.مقاتل بن حيان: يعني المستقدمين والمستأخرين في صف القتال. ابن عيينة: يعني من يسلم ومن لا يسلم.{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}. قال ابن عبّاس: وكلهم ميت ثمّ يحشرهم ربهم جميعاً الأوّل والآخر {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} يعني آدم عليه السلام، قال إنساناً لانه عهد إليه فنسي. وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة وقالوا: وزنه انسيان على وزن إفعلان فأسقط الياء منه لكثرة جريانه على الألسن، فإذا صُغّر ردت الياء إليه فيقول أنيسان على الأصل لأنه لايكثر صغراً كما لا يكبر مكبراً.وقال آخرون: إنما سمّي إنساناً لظهوره وإدراك البصر إياه وإليه ذهب نحاة البصرة وقالوا: هو على وزن فعلان فزيدت الياء في التصغير كما زيدت في تصغير رجل فقالوا: رويجل وليلة فقالوا: لويلة.{مِن صَلْصَالٍ} وهو الطين اليابس إذا نقرته سمعت له صلصلة أي صوتاً من يبسه، قيل: أن تمسه النار فإذا أصابته النار فهو فخار، هذا قول أكثر المفسرين.وروى أبو صالح عن ابن عبّاس: هو الطين الحرّ الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق وإذا حرّك تقعقع.وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو الطين المنتن، واختاره الكسائي وقال هو من قول العرب: صل اللحم وأصلّ إذا أنتن.{مِّنْ حَمَإٍ} جمع حمأة {مَّسْنُونٍ}.قال ابن عبّاس: هو التراب المبتل المنتن، يجعل صلصالاً كالفخار ومثله، قال مجاهد وقتادة: المنتن المتغير.قال الفرّاء: هو المتغير وأصله من قول العرب: سننت الحجر على الحجر أي أحككته وما يخرج من بين الحجرين يقال له السنن السنانة ومنه المسن.أبو عبيدة: هو المصبوب، وهو من قول العرب: سننت الماء على الوجه وغيره إذا صببته.سيبويه: المسنون: المصور، مأخوذ من سنة الوجه وهي صورته.قال ذو الرمة: {والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْل}.قال ابن عبّاس: هو أب الجن.قتادة ومقاتل: هو أبليس، خُلق قبل آدم.{مِن نَّارِ السموم}.قال ابن عبّاس: السموم: الحارة التي تقتل.الكلبي عن أبي صالح عنه: هي نار لادخان لها والصواعق تكون منها، وهي نار بين السماء وبين الحجاب، فإذا أحدث الله له أمراً خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت، فالهدّة التي تسمعون خرق ذلك الحجاب.أبو روق عن الضحاك عن إبن عبّاس قال: كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار.روى سعيد عن أبي إسحاق قال: دخلت على عمرو بن الأصم أعوده فقال: ألا أحدثك حديثاً سمعته من عبد الله [قال: بلى، قال:] سمعت عبد الله يقول: هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خلق منها الجان وتلا: {والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم}.
|